مقدّمة
أثار الهجوم الصاروخي الباليستي الأخير الذي شنته إيران ضد إسرائيل (أكتوبر 2024) انتقامًا لمقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله؛ حالة من الإثارة في العالم الإسلامي، وبالنسبة للكثيرين؛ تُعتبر إيران البلد الأجرأ في العالم الإسلامي التي تقف وحدها في مواجهة إسرائيل
لا شكّ بأن كل مسلم صادق يتمنى تحرير فلسطين ونهاية الصهيونية، وقد أظهرت الهجمات على غزة للعالم طبيعة الإبادة الجماعية والجنونية للدولة الإسرائيلية. فشرّها واضح للعيان. أما بالنسبة لإيران؛ فإن عداءها للإسلام والمسلمين كان أكثر دهاءً. فقد أدى خطاب إيران المناهض لإسرائيل والغرب إلى اعتقاد الغافلين من المسلمين بأنها مدافعة عن قضيتهم ضد الصهيونية والإمبريالية
ولكن هذا بحقيقته بعيد عن ذلك، ولفهم السبب فإنه من الضروري دراسة تاريخ وإيديولوجية الشيعة والتاريخ الحديث لإيران. يركز هذا المقال على الأخير، حيث يقدم لمحة عامة موجزة عن الأحداث الجيوسياسية الرئيسية التي تخص إيران وعلاقاتها مع الدول الإسلامية الأخرى خلال الثلاثين عامًا الماضية. وسأبدأ بالثورة الشيعية في إيران عام 1979، والتي كانت حدثاً محورياً له تأثيرات عميقة على الشرق الأوسط وما بعده
الثورة الإيرانية 1979
حتى عام 1979، كانت إيران تحت حكم محمد رضا شاه بهلوي، وهو دكتاتور علماني موالٍ للغرب. ثارت العديد من الجماعات والفصائل داخل إيران ضد الشاه، لكن من قاد الثورة نحو النجاح في النهاية كان الزعيم آية الله الخميني والذي يتمتع بكاريزما عالية، حيث أقام على الفور حكومة دينية (ثيوقراطية) تستند على المبادئ الشيعية وأعلن نفسه حينها القائد الأعلى
وبذلك أصبح الخميني أول شخص في تاريخ الشيعة الممتد لأكثر من 1400 عام يعلن نفسه أعلى سلطة دينية ورئيسا للدولة بلا منازع. وعلى الرغم من أن هذا الانحراف عن الفقه الشيعي التقليدي قوبل بمعارضة من قبل العديد من العلماء؛ إلا أن تلك كانت خطوة ذكية من الخميني لتعزيز سلطته وسطوته
على الصعيد المحلي تميز حكم الخميني بالقمع الوحشي لمعارضيه السياسيين، أما على الصعيد الدولي فقد قدم نفسه كزعيم لجميع المسلمين، بغض النظر عما إذا كانوا سنة أو شيعة، ودعا إلى الوحدة الإسلامية ضد الأعداء المشتركين. ومع ذلك، كانت الأوضاع الداخلية المحلية مختلفة تمامًا. فقد أشرف الخميني على اضطهاد ممنهج ووحشي لأهل السنة في إيران
وفور استيلائه على السلطة، بدأ نظام الخميني بإعدام كبار علماء السنة بشكل منهجي، وقام بسجن أو نفي الآخرين، وهدم المساجد السنية، وارتكاب مجازر بحق السنة في جميع أنحاء البلاد، وقام باستبعاد السنة من جميع المناصب الحكومية العليا، وتم تعديل الدستور لإقصاء السنة من أي مشاركة سياسية ذات مغزى. وفي طهران، التي يبلغ عدد سكانها مليون سني، لا يوجد مسجد سني واحد، ولا يزال السنة في طهران قيد المنع من إقامة صلاة العيد. وقد دفعته معتقداته الهرطقية، بما في ذلك وصفه لأم المؤمنين عائشة بأنها “أكثر نجاسة من الكلاب والخنازير” (كتاب الطهارة لآية الله الخميني – المجلد 3، صفحة 457)، إلى إخراج العديد من العلماء له من دائرة الإسلام
حرب إيران والعراق، والعلاقة الإسرائيلية
اندلعت الحرب بين إيران والعراق تقريبا فور قيام الثورة الشيعية في عام 1979،. كان لهذه الحرب أسباب معقدة ومتجذرة تعود إلى نزاعات حدودية طويلة الأمد. ومع ذلك، فبعد الاستيلاء على السلطة؛ بدأ الخميني في زعزعة استقرار العراق من خلال دعم الأكراد الانفصاليين (والعلمانيين)، ودعا علانيةً الشيعة في العراق للثورة وتشكيل جيش شيعي خاص بهم، ودعم حزب الدعوة الشيعي العراقي الذي نفذ العديد من الهجمات الإرهابية، وحاول اغتيال نائب رئيس وزراء العراق، واغتال عشرين مسؤولاً عراقياً رفيعاً، وقام بارتكاب أكثر من 500 انتهاك حدودي
في سبتمبر 1980، قصفت إيران عدة مدن عراقية مأهولة بالسكان، وأغلقت مضيق شط العرب، مما أدى إلى حظر طريق وصول العراق الوحيد إلى الخليج. وكما صرح وزير الخارجية الإيراني الأول إبراهيم يزدي لاحقًا؛ فقد تعمد الخميني استفزاز العراق للحرب
في 22 سبتمبر 1980، غزا العراقُ إيران، وبعد أسبوع دعت الأمم المتحدة عبر قرار رقم 479 إلى إنهاء فوري للنزاع، قَبِلَ العراق القرار على الفور، وعرض الانسحاب من أي أراضٍ إيرانية، إلا أن الخميني رفض وقف إطلاق النار
وفي عام 1982 بينما كانت تستعدّ إسرائيل لغزو لبنان، قدّم زعيم العراق السابق صدام حسين عرضًا للسلام مع إيران، مقترحًا جبهة موحدة ضد العدو المشترك (إسرائيل). ولكن مع ذلك فقد رفض الخميني العرض، معلناً أن “الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء، العراق”، مما يؤكد عزم إيران على إقامة دولة شيعية في العراق. وقد أدى الرفض المستمر من قبل إيران لوقف إطلاق النار؛ إلى حرب مدمرة استمرت ثماني سنوات مع العراق، مما أدى ذلك إلى معاناة إنسانية هائلة، حيث تجاوز عدد الضحايا مليون شخص من كلا الجانبين، وبلغت الخسائر المالية المشتركة ما يقدر بـ تريليون دولار
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذه الحرب؛ هو الدور الذي لعبته إسرائيل، يستكشف تريتا بارسي، أستاذ العلاقات الدولية المساعد في جامعة جونز هوبكنز، هذا الموضوع بعمق في كتابه الشهير “التحالف الغادر: أسرار التعاملات بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”. يقدم بارسي أدلة قوية تشير إلى وجود تحالف سري بين إيران وإسرائيل. ويذكر بارسي في الصفحات: 104-107
“طوال فترة الثمانينيات، لم يتحدث أحد في إسرائيل عن تهديد إيراني، بل لم يتم حتى ذكر الكلمة”، قال ذلك البروفيسور ديفيد مناشرى من جامعة تل أبيب، وهو أحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في الشؤون الإيرانية
واستمر معظم كبار المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم إسحاق رابين؛ في الاعتقاد بأن إيران كانت “حليفًا استراتيجيا” لإسرائيل، وأن إيقاف الرئيس العراقي السابق صدام حسين أولوية قصوى، وحتى إذا “كان ذلك يعني تلبية طلب الأسلحة من الإيرانيين، وكان ذلك يمكن أن يمنع انتصار العراق، فليكن ذلك”، كما أكد ديفيد كيمشي، رئيس وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق
ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان الولايات المتحدة إلى مساعدة إيران في الحفاظ على دفاعاتها، تحركت إسرائيل بسرعة على عدة جبهات. وفي زيورخ، التقى مسؤولون إيرانيون وإسرائيليون لإبرام صفقة أسلحة، وناقش العقيد الإسرائيلي بن يوسف ونظيره الإيراني العقيد زارابي اتفاقية تسمح للخبراء الإسرائيليين بتدريب الجيش الإيراني على إعادة تجهيز الأسلحة الإيرانية المصنوعة في الولايات المتحدة بأجزاء إسرائيلية الصنع
ويوضح بارسي كذلك أنه في يونيو 1981 نجحت ثماني طائرات إسرائيلية من طراز F-16 وست طائرات F-15- بتوجيه من المخابرات الإيرانية – في تدمير المفاعل النووي العراقي في أوسيراك، وسهلت هذه العملية الجريئة الضمانات الإيرانية بأن الطائرات الإسرائيلية ستكون قادرة على الهبوط في مطار إيراني في تبريز في حالة الطوارئ
وفقًا لأحمد حيدري – وهو تاجر أسلحة إيراني يعمل لصالح نظام الخميني – ” فإن حوالي 80٪ من الأسلحة التي اشترتها طهران مباشرة بعد اندلاع الحرب؛ كانت إسرائيلية المنشأ، وقد قامت إيران بشراء أسلحة من إسرائيل تزيد قيمتها عن 500 مليون دولار في الفترة ما بين 1980-1983، وتم دفع معظمها من خلال تسليم النفط الإيراني إلى إسرائيل”.
غالبًا ما تجد إيران وإسرائيل نفسيهما متقاربتين بسبب المصالح الاستراتيجية المشتركة. في كتابه “الردع بدون القنبلة: سياسات استراتيجية إسرائيل”، يجادل أفنير يانيف بشكل مقنع بأن العلاقة بين إسرائيل وإيران دائمة، قائلاً:
“من الصعب تجاهل قوة واستمرارية العلاقة الإسرائيلية مع إيران مهما كان النظام، فإن استجابة [إيران وإسرائيل] لقواعد اللعبة القديمة لموازنة القوى ظلت تقودهما إلى أحضان بعضهما البعض. قد تكون المصلحة المشتركة محدودة، لكنها كانت حقيقية طوال الوقت”. (أخذ من صفحات صبحي 161-162).
وفي خاتمة كتابه “التفاهم البراغماتي: العلاقات الإسرائيلية-الإيرانية، 1948-1988”، يؤكد صبحي على العلاقة المتبادلة بين إسرائيل وإيران. ويقترح أن كلا البلدين، نظرًا لمواقعهما الجيوسياسية، ينظر كل منهما إلى الآخر على أنه أداة محتملة لموازنة أعدائهما الأكثر إلحاحًا. وتستند الطبيعة البراغماتية لعلاقتهما إلى المصالح الاستراتيجية، مثل موازنة المنافسين الإقليميين، أو مواجهة التهديدات المشتركة. (صفحات صبحي 170-171)
خيانة إيران في أفغانستان
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، شنت الولايات المتحدة ما أسمته “الحرب على الإرهاب”، مستهدفة حكومة طالبان في أفغانستان. قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، كانت إيران داعمًا قويًا لتحالف الشمال، وهو مجموعة من القوات المناهضة لطالبان. بعد أحداث 11 سبتمبر، استمرت إيران في دعم تحالف الشمال، كما عرضت مساعدتها للولايات المتحدة، كان الدعم الإيراني متعدد الأوجه، بما في ذلك تقديم معلومات استخباراتية قيمة عن قيادة طالبان، والمواقع العسكرية، وخطوط الإمداد، كما منحت إيران الولايات المتحدة حق الوصول إلى قواعدها الجوية وبنيتها التحتية، مما ساهم بشكل كبير في جهودها اللوجستية
علاوةً على ذلك، فقد نسّقت إيران مع القوات البرية الأمريكية، حيث تبادلت المعلومات حول تحركات طالبان، وشاركت في عمليات مشتركة، بالإضافة إلى ذلك فقد سهّلت إيران الاتصالات بين الولايات المتحدة والجماعات المعارضة الأفغانية. (بارسي: “التحالف الغدار” الصفحات 223-234)
ثم وبفضل دعم إيران؛ تمكنت الولايات المتحدة من إقامة وجود عسكري في أفغانستان، وتنصيب حكومة موالية لها، والوصول إلى الموارد الطبيعية للبلاد
المجزرة في العراق
لطالما كانت لإيران طموحات طويلة الأمد لنشر التشيع في جميع أنحاء المنطقة، وقد كانت لهذه الطموحات عواقب وخيمة على السكان السُّنة في العراق. وتم تعزيز هذا الهدف بشكل كبير بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، والذي على الرغم من التحذيرات التي كانت من صانعي السياسات الأمريكيين؛ فقد خلق فراغًا في السلطة استغلته إيران بشغف، حيث خدم الغزو الأمريكي للعراق الأهداف الاستراتيجية لإيران من خلال زعزعة استقرار العراق وإزالة منافسها التقليدي في المنطقة، وحصلت إيران على فرصة مثالية لتوسيع نفوذها وإنشاء دولة تهيمن عليها الغالبية الشيعة
شهدت السنوات اللاحقة حملة ممنهجة من التطهير العرقي ضد الأقلية السُنية، قادتها ميليشيات شيعية مدعومة من إيران،حيث استخدمت هذه الميليشيات أساليب وحشية، بما في ذلك عمليات الاغتيالات المستهدفة، والتفجيرات، والتهديدات بالعنف، وذلك لطرد السُنة من منازلهم ومجتمعاتهم، كما استولت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على الممتلكات والأعمال التجارية التي يملكها السُنة، مما أدى إلى تهميشهم بشكل أكبر، وفي بعض الحالات؛ تم إفراغ أحياء بأكملها من سكانها السُنة، ونتيجة لذلك؛ فقد اضطر مئات الآلاف من السُنة إلى الفرار أو قد تم قتلهم. كما غيّر العديد من السُنة أسماءهم لتجنب القتل، وغالبًا ما كانت الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة متواطئة في التطهير العرقي، إما من خلال تجاهل أنشطة الميليشيات أو بدعمها الفعلي
إيران وسوريا
إن الحرب الأهلية السورية، والتي بدأت في عام 2011 هي صراع معقد ومستمر، وبينما يتجاوز التحليل المفصل لهذه الحرب المدمرة نطاق هذا المقال، فسوف أركز على الدور المهم الذي لعبته إيران ووكلاؤها.
بمجرد اندلاع الصراع؛ أرسلت إيران قاسم سليماني – وهو قائد عسكري إيراني بارز – إلى سوريا، وكانت خطوته الأولى إطلاق سراح الآلاف من التكفيريين من السجون السورية بهدف زرع الفتنة بين صفوف المعارضة السورية، ثم قدم دعماً عسكرياً للحكومة السورية، بما في ذلك التدريب والمعدات والجنود
بعد ذلك؛ قامت إيران بتشكيل “جيش التحرير الشيعي” وهو تحالف من الميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان. ليقاتلوا إلى جانب الآلاف من مقاتلي حزب الله، على الرغم من أن الأخير كان لديه قيادته وهيكله الخاص. تورط كل من جيش التحرير الشيعي وحزب الله في مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان ضد السُنة، بما في ذلك العنف العشوائي ضد المدنيين، واستخدام التعذيب، والتهجير القسري
وفي عام 2012، قاد قاسم سليماني هجوماً شرساً على حلب، وهي مدينة استراتيجية كانت قد سقطت في أيدي قوات المعارضة، انضم الآلاف من مقاتلي حزب الله وجيش التحرير الشيعي إلى الهجوم، مدعومين بضربات جوية روسية. استمر حصار حلب من عام 2012 حتى 2016 وكان يتميز بالوحشية الشديدة، حيث استخدم النظام تكتيكات مثل التجويع والقصف العشوائي، مما أسفر عن مقتل حوالي 31,000 شخص، وكان هذا الحصار أحد أطول وأشد الحصارات إجراماَ في الحروب الحديثة
وانطلاقاً من طموحاتها الطائفية لتوسيع النفوذ الشيعي في المنطقة؛ فقد استغلت إيران الحرب الأهلية السورية لإعادة تشكيل التركيبة السكانية في سوريا لصالحها، فقد استقرت الآن مجموعات شيعية أجنبية في المناطق التي هجرها سكانها السُنة، وقد تم استخدام التطهير العرقي لإنشاء كتلة شيعية صلبة، خاصة على طول الطرق الاستراتيجية المؤدية إلى لبنان، حيث تم استخدام تكتيكات مثل “الجوع أو الاستسلام” بشكل متكرر؛ حيث تُحاصر الأحياء السنية ويُمنع إيصال الطعام إليها، مما يجبر السكان على الموافقة على الرحيل، وبالتالي إعادة التوطين
استخدمت إيران وحزب الله نهج الجزرة والعصا للترويج للتشيع بين السكان السنة في سوريا، حيث أنهم يقدمون المساعدة المالية وفرص التعليم والخدمات الاجتماعية للسنة الذين يعتنقون التشيع، بينما يستخدمون التهديدات والتخويف لإجبارهم على الاختيار بين التحول الديني أو الاضطهاد
Supreme leader Ayatollah Ali Khamenei (left), Hezbollah Secretary General Hassan Nasrallah (centre), and Qods Force commander Qasem Soleimani (right). This photo is believed to have been taken in Tehran. Taken from from the Ali Khamenei website, https://english.khamenei.ir/news/7074/Untold-facts-on-Israel-Hezbollah-war-in-an-interview-with-Major
أما الهدف المباشر لإيران في سوريا فهو إنشاء ممر بري بين الحدود الإيرانية والبحر الأبيض المتوسط، حيث يُستثنى بشكل دائم جميع السُنة. وهذا جزء من استراتيجيتها الأوسع لإنشاء منطقة يهيمن عليها الشيعة في الشرق الأوسط من خلال استراتيجيتها الوحشية المكونة من ثلاثة محاور: إجبار السنة على التحول إلى التشيع، أو الطرد، أو القتل. لقد عززت إيران نفوذها السياسي والديني في المنطقة، كما أنشأت أحزاباً سياسية من الميليشيات الشيعية، مما أدى إلى إنشاء “دولة موازية” تديرها إيران في سوريا
ما دافع السياسة الخارجية لإيران؟
تتشكل السياسة الخارجية لإيران من خلال العقيدة الشيعية وعدائها العميق لأهل السنة، لم تسعى الثورة الإيرانية عام 1979 إلى إقامة دولة شيعية في إيران فحسب، بل سعت أيضًا إلى تصدير التشيع إلى الدول الإسلامية الأخرى. سأقوم الآن بتلخيص هذه العقيدة بشكل موجز
التشيع هو دين مبني على الاعتقاد بأن معظم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ارتدوا بعد وفاته، ويقوم على رفضٍ شاملٍ للأحاديث النبوية، وبالنسبة لمعظم العلماء الشيعة؛ الاعتقاد بأن القرآن قد تم تحريفه من قبل الصحابة.
ومن الركائز الأساسية الأخرى في العقيدة الشيعية؛ مفهوم الإمام الغائب (المهدي). كتب العالم الشيعي البارز محمد باقر المجلسي (توفي عام 1699) موسوعة ضخمة تتألف من 114 مجلدًا تحتوي على العقائد الشيعية بعنوان “بحار الأنوار” حيث يقدّم في هذا العمل تصورًا مقلقًا حول معتقدات الشيعة بشأن أفعال المهدي عندما يخرج من السرداب المزعوم في سامراء
يقول المجلسي: “أول شيء يبدأ به المهدي هو أن يخرج هذين الرجلين (أبو بكر وعمر) من قبريهما طريين يضجان بالحياة، سيحرقهما ويبث رمادهما في الهواء، ويهدم المسجد (النبوي)”. (بحار الأنوار 52/386)
وبعد عقوبة أبي بكر وعمر، سيوجه مهديهم انتباهه إلى أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – : “إذا ظهر مهدينا، سيؤتى بالحميراء (لقب عائشة) إليه ليقيم عليها عقوبة الزنا”. بحار الأنوار 52/314-315
وتشير تقارير أخرى أن مهديهم سيقتل العرب، ويدمر الكعبة، ويهدم المسجد النبوي؛ وسيدعو الناس إلى دين جديد وكتاب جديد وشرائع جديدة، وسيغزو المدن بتابوت العهد اليهودي، وسيحكم وفقا لشريعة آل داود (ملخص من بحار الأنوار، كتاب الغيبة للنعماني والسلابي).
تُظهر هذه التقارير في جوهرها ما تسعى إيران ووكلاؤها إلى تحقيقه إذا أتيحت لهم الفرصة للحكم والهيمنة على العالم الإسلامي والسيطرة عليه
“إسرائيل وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض، لقد كانت الأمور دائمًا بهذه الطريقة وستظل كذلك دائماً”
محلل إسرائيلي، 1986
الخلاصة
العلاقة بين إسرائيل وإيران هي علاقة معقدة ومتعددة الأبعاد، ولا ينبغي للمسلمين أن يفرطوا في حماسهم تجاه الهجوم الصاروخي الأخير لإيران على إسرائيل، وعلى الرغم من أن الهجوم قد ألحق الضرر بعدة قواعد جوية إسرائيلية، فإن إيران تجنبت عمدًا استهداف قواعد القوات البرية الإسرائيلية المزدحمة
يجب النظر إلى الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل في ضوء الأهداف الاستراتيجية المتبادلة طويلة المدى لكلا البلدين، حيث تخشى إيران وإسرائيل من حدوث نهضة إسلامية حقيقية على المنهج النبوي، لأن ذلك سيتسبب بعواقب وخيمة على كل من الصهيونية والتوسع الشيعي. إن هذا القلق المشترك هو ما سيحدد علاقتهما طويلة الأمد
د. فيراسات لطيف
_____________
المصادر والمراجع
The Biography of Ali ibn Abi Talib (2 volumes). Ali Muhammad Sallabi (Darussalam 2011)
The Pragmatic Entente: Israeli–Iranian Relations, 1948–1988. Sohrab Sobhani (New York: Praeger, 1989).
Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States. Trita Parsi (New Haven, Yale University Press, 2007).
Taḥqiq̄ Mawāqif al-Ṣaḥābah fil̄ -Fitnah. Sayyid Muḥammad Amaḥzūn (English translation by (mahajjah.com. n.d)
A Comprehensive Study of the Shah creed. Doctor Nāṣir ibn ʿAbd Allāh al-Qaffāri. (mahajjah.com. n.d)
History And Evolution of Shi’ism. Shaykh Iḥsān Ilāhī Ẓahīr (Maḥajjah Research Institute, 2023)
https://www.meforum.org/middle-east-quarterly/tehran-shiification-of-syria
http://islamicweb.com/beliefs/cults/shia_dismal_iran.htm
https://www.theguardian.com/world/2006/oct/10/iraq.peterbeaumont
https://www.al-monitor.com/originals/2017/09/iran-tehran-sunni-mosque-prayer-space-pounak.html
https://iranwire.com/en/fact-checking/71310/.
https://www.latimes.com/archives/la-xpm-2006-sep-28-fg-intel28-story.html
.